مهرجان “تقليت”.. التشبث بالأصالة
عندما قام شباب “بورات” بالغوص في التراث الثقافي الفلاحي لانتقاء اسم “تقلّيت” واختياره عنوانا لمهرجان قراهم، فإنهم يعون ما يقولون وما يفعلون… لقد أرادوا التعبير عن التشبث بالأصالة والتجذر والاعتزاز بالذات. وأرادوا توجيه البَوصلة إلى الزراعة والإنتاج والعمل المثمر،،، “تقليت” تحكي قصة “بورات” مع الحياة؛ قصة كدح وجهد وإنتاج بقلم “أواجيل” وبمداد العَرق على لوح الأرض.
ولهذه الأسباب، حرصوا على أن يتنفس مهرجانهم عبق الثقافة والتاريخ. فكان كل شيء جميلا دون بهرجة، و ممتعا دون أن يكون “مصطنعا” أو “مفبركا” للطمس على أعيُن الضيوف مثل ما نشاهده من “طلاء” و”لفش” و”تلفيق” و”تزييف” في مناسبات رسمية أو ثقافية أخرى .. وذلك موضوع آخر.
* الدورة الخامسة
بعد توقف دام عدة سنوات بسبب “الكوفيد” 2019-2021 وأشياء أخرى، عاد المهرجان للانعقاد في دورته الخامسة 30-31 /2023. وتميّزت هذه الدورة عن سابقاتها بثلاث أمور، هي:
– ارتقاء “بورات” إلى مستوى “بلدية” ، وهو مطلب طالما ناضل المهرجان وجاهد من أجله.
– تزامن المهرجان مع تدشين وانطلاق مشاريع “تآزرية” وتنموية مهمة في المنطقة، منها: افتتاح محطة كهربائية في قرية “باسنگدي”، وبناء سد “بورات” (الفرع)، وسد “ارگوگه”، والبدء في عمليات التنقيب عن المياه الصالحة للشرب في عموم المنطقة، ودراسة بناء سد “لكريّع”.
– حضور المندوب العام لتآزر السيد حمود ولد امحمد و وفد كبير من المندوبية لافتتاح المهرجان. وقد أفضى هذا الحضور بالإضافة إلى بناء السدود وتوفير الكهرباء وبناء الاعدادية إلى ابتكارات “تآزرية” جديدة، هي:
– ظهور صِنف جديد من عمليات “الدعم ومحاربة الفقر” يتمثل في شراء كمية كبيرة نسبيا (20 طن هذه المرة) من إنتاج أهل “بورات” من “تقليت” بأسعار مدعمة و توزيعها على “فقرائهم”. وقد لاقت هذه العملية استحسانا واسعا لدى الساكنة.
– كشف الغطاء عن نشيد رائع من غناء الفنانة “گرمي بنت سيداتي ولد آبه” ومن إنتاج “تأزر” على شكل “نداء إلى المواطن” من أجل العمل والبناء يلخص إنجازات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني عبر أنشطة “تآزر” بغناء ساحر.
– رسم خطوط تقاطع والتقاء بين رؤية “تآزر” في محاربة والفقر من جهة، و عملية إنتاج “تقليت”. أبدع المندوب العام عندما أبرز أوجه التشابه بين العمليتين، قائلا: “إن محاربة الفقر هي في العمق عملية تسلسلية: مسح في المجتمع، وگجي، وبذر، وإحاطة، وقطف، وحصاد”..
* مشاعر
لم يسبق لي أن حضرت مناسبة تدشين أو وضع حجر أساس منذ الانقلاب (2005) على الرئيس معاوية حفظه الله ورعاه .. ولكن البرنامج المعلن في هذه المناسبة جاء على ذكر أماكن راسخة في القلب وضاربة في الوجدان لدرجة يستحيل معها الغياب. الكهرباء في باسنگدي؟ سد بورات (الفرع)؟ سد “ارگوگه”؟ مهرجان “تقليت”؟ من يصدّق؟ هذه المناسبات لا يمكن أن تفوت “آفطوطي” مثلي.
حضرت، ولم أندم. صافحت أحباء وإخوة افتقدتهم منذ زمان، وشاركت السكان فرحتهم بوجود الكهرباء في قراهم، و سدودهم قيد الإنشاء… أعود من هذا السفر بأمل كبير أن موريتانيا – على الأقل في المنطقة موضع المنشور – بدأت تستفيد وتنهض وتتقدم.